
المغرب يقود الثورة اللوجستية في إفريقيا: رؤية ذكية ومستدامة من قمة الرباط 2025
العالمية نيوز
الرباط – خاص للعالمية نيوز / حاتم العناية
الرباط، 11 شتنبر 2025 – في إطار “قمة شمال إفريقيا للبنى التحتية الذكية 2025” التي عقدت يوم 10 شتنبر بالرباط، قدم الدكتور ياسين دينار، رئيس أكاديمية فورسايت لهندسة الاستراتيجيات وأستاذ زائر بجامعة محمد الخامس بالرباط، عرضاً ملهماً بعنوان “نحو قيادة لوجستية ذكية ومستدامة في إفريقيا”. هذا العرض لم يكن مجرد استعراض للخطط التنموية، بل دعوة حقيقية للعمل المشترك، مستنداً إلى موقع المغرب الاستراتيجي كجسر بين إفريقيا وأوروبا، ومستلهماً من إرادة سياسية قوية وتوجيه ملكي يركز على التنمية الشاملة.
يأتي هذا العرض في وقت يسعى فيه المغرب لترسيخ مكانته كمنصة لوجستية قارية رائدة، مستفيداً من موقعه الجيوستراتيجي الفريد. كما أكد الدكتور دينار في مداخلته، فإن هذه الرؤية ليست مجرد خطة اقتصادية، بل مشروع وطني يحول الجغرافيا إلى قوة دافعة، مستوحى من نجاحات سابقة مثل ميناء طنجة المتوسط ومحطة نور للطاقة الشمسية بورزازات. “المغرب يقف على عتبة تحول تاريخي، مدعوماً باستقرار مؤسسي هو الأقوى في المنطقة”، يقول دينار، مشدداً على أن هذا التحول يعكس إرادة تحويل التحديات إلى فرص.
الركائز الاستراتيجية: أسس التفوق المغربي
يبني المغرب صعوده على خمس ركائز أساسية تجمع بين القوة الصلبة والناعمة، كما وصفها الدكتور دينار. أولاً، الموقع الاستراتيجي الذي يجعله مركز اتصال طبيعي بين القارات. ثانياً، الاستقرار السياسي الذي يوفر واحة أمان في محيط إقليمي مضطرب. ثالثاً، الدبلوماسية الاقتصادية النشطة، مع شبكة اتفاقيات تبادل حر تفتح أسواقاً تصل إلى مليار مستهلك. رابعاً، بنية تحتية متطورة تشمل طرقاً وسكك حديدية وموانئ ومطارات تشكل الهيكل العصبي للاقتصاد. أخيراً، رأس المال البشري الشاب والمتعلم، الذي يُعتبر الوقود الحقيقي للنمو.
في قلب هذه الرؤية، يبرز نظام النقل واللوجستيات المتكامل كشريان حيوي للاقتصاد. لم يعد الأمر يتعلق بتشييد الطرق فحسب، بل بتصميم نظام ذكي ومرن يدعم النمو مع الحفاظ على الاستدامة. ومع ذلك، يظل التحدي في سد فجوة الربط الداخلي، خاصة في النقل الحضري، لضمان شمولية النمو لجميع الشرائح.
مشاريع عملاقة ترسم خريطة المستقبل
يتم تنفيذ هذه الرؤية من خلال مشاريع ضخمة، كما استعرضها الدكتور دينار. في النقل الجوي، يُخطط لمضاعفة أسطول الخطوط الملكية المغربية ثلاث مرات، مع رفع قدرة المطارات إلى 80 مليون مسافر سنوياً بحلول 2030. أما النقل السككي، فيشمل تطوير القطار الفائق السرعة لربط المدن الكبرى مثل القنيطرة ومراكش، إلى جانب توسيع الشبكة الإقليمية. في النقل البحري، يُركز على بناء موانئ عالمية مثل الناظور غرب المتوسط والداخلة الأطلسي، بهدف خفض تكلفة اللوجستيات من 20% إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي.
كذلك، يشمل النقل الطرقي إكمال شبكة الطرق السريعة، مثل طريق كرسيف-الناظور بطول 104 كم، بينما يركز النقل الحضري على تمديد شبكات الترامواي في الدار البيضاء والرباط ومراكش لضمان تنقل حديث وآمن.
فرص استثمارية وتحديات هيكلية
تقدر الحاجة الاستثمارية بين 800 إلى 1000 مليار درهم حتى 2035، موزعة على قطاعات واعدة مثل النقل والطاقة الخضراء والرقمنة. ومع ذلك، تواجه هذه الطموحات تحديات مثل الضغط على البنى التحتية، التهديدات السيبرانية، وإشكاليات الحوكمة. لمواجهتها، يعتمد المغرب على محفزات مثل الاستقرار السياسي، رؤية “مخطط المغرب 2035″، وشراكات القطاع العام والخاص التي تعتبر تحالفات استراتيجية.
ثقافة الابتكار والعنصر البشري
أكد الدكتور دينار أن النجاح لا يقتصر على التكنولوجيا، بل يتطلب ثقافة ابتكار شاملة، تشمل الابتكار التكنولوجي مثل التنقل الذكي والهيدروجين الأخضر، والتنظيمي مثل “الساندبوكس التنظيمي”، والتشريعي لتعزيز السلامة. وفي خارطة الطريق، يركز المدى القصير على الأطر التشجيعية، بينما المدى المتوسط يستثمر في رأس المال البشري.
المعادلة البشرية هي القلب النابض، كما قال دينار: “التقنية آلة، لكن الطاقة البشرية وقودها”. يعتمد النجاح على قيادة ملهمة، فرق ملتزمة، واستثمار في التدريب، مع بناء ثقافة أخلاقية قوية.
دعوة للعمل المشترك
في الخاتمة، شدد الدكتور دينار على أن هذا المشروع مجتمعي يلمس هوية الأمة، يتطلب بناء الثقة، صقل رأس المال البشري، وتوحيد الرؤية. “هذا ليس مجرد عرض، بل دعوة للانخراط في رؤية طموحة تبني المستقبل بالإرادة البشرية والابتكار المستدام”، يختم دينار، مؤكداً أن نجاح المغرب سيكتب فصلاً جديداً في نهضة إفريقيا.
عن المتحدث والمؤسسة
الدكتور ياسين دينار، أستاذ جامعي في شعبة العلوم الاقتصادية بجامعة محمد الخامس، ومدير مكتب الدراسات والاستشارات المعروف في الرباط، يرأس أكاديمية فورسايت لهندسة الاستراتيجيات (F.S.E.M.A). هذه الأكاديمية، المقرها في الرباط، مؤسسة استشارية رائدة تركز على إدارة التحالفات الاستراتيجية، جذب الاستثمارات الأجنبية، تطوير الهياكل التنظيمية، وإعداد الدراسات الاستشرافية. كما تقدم خدمات في هندسة البرامج التدريبية، التشخيصات الاستراتيجية، والدعم الاقتصادي والقانوني، مما يجعلها شريكاً موثوقاً لتعزيز القدرة التنافسية ودعم التحولات الطموحة.
هذا العرض يعكس الدور الريادي للمغرب في بناء مستقبل إفريقي مستدام، ويفتح أبواباً لشراكات دولية جديدة.
