
سوريا واليمن… توترات داخلية على مفترق الطرق
تحليل مُفصل للتفجر المجتمعي وهشاشة الدولة، وخيارات المستقبل
كتب أحمد سمير
لماذا هذا التقرير مهم الآن؟
أخذ الصراع في سوريا واليمن منعطفاً آخر فلم يعد مجرد مجرد مواجهة بين قوات متنازعة على السلطة، أو صراع إقليمي بالمعنى الضيق الذي يراه أو يعرفه الجميع، بل تطور إلى شبكات توتر داخلية متقاطعة على جميع المستويات سواء الطائفية أوالقبلية أو الإقليمية أو الإقتصادية تهدد أي فرصة مستقرة لإعادة بناء دولة موحدة.
تحليل هذا التوترات الداخلية هو المفتاح لفهم كيف ستبدو خرائط النفوذ المحلية والإقليمية خلال الأشهر المقبلة.
سوريا التشققات الداخلية تتجاوز الحرب القديمة
حكومة أحمد الشرع الإنتقالية تسعى لفرض سلطة مركزية هشة، بينما تنشط الفصائل المحلية والإقليمية للمطالبة بتمثيل أو حكم ذاتي.
داخليا، هناك منطقتين مشتعلتين في الجنوب “السويداء” متمثلين في البدو والدرُوز، والشمال “حلب” نواحي تشرين والمنطقة الكردية حيث تتصاعد الاحتكاكات بين القوات المركزية وقوات “قسد”.
تحركات على الأرض
تسعى حكومة الشرع في الداخل إلى إحتواء الوضع من خلال وضع أجهزة أمنية جديدة وإجراءت احترازية لمنع الإنفلات الأمني، مع الافتقار إلى شبكات إعادة توزيع الموارد الكافية لتأمين الولاءات المحلية.
في الشمال الغربي، لا زالت بعض الفصائل الإسلامية والسلفية تحتفظ ببعض القدرات.
أما في الشمال الشرقي، تسيطر قوات قسد والمدعومة محلياً، وتدافع عن وجودها وموارد النفط والموارد المائية.
تمتلك السويداء تمتلك أيضآً عددا من المليشيات القبلية ودروز، ولديها القدرة على الحشد المحلي السريع، فلديهم قادة محليون مؤثرون لعل من أبرزهم الشيخ حكمت الهجري، فهم قادرون على توجيه حشود وفرض وقائع محلية.
مناطق نزاع رئيسية تشتعل بها حدة التوتر داخلياً
السويداء: منطقة نزاع قبلية وطائفية، فقد تصاعدت حدة الإشتباكات بين الطرفين، مما أسفر عن وقوع مئات القتلى ونزوح الألاف، ثم إعادة تشكيل الولاءات المحلية، مثلما حدث في يوليو الماضي.
الحسكة وتشرين: تنافس بين قسد والحكومة المركزية على السيطرة على إدارة حقول النفط والموارد المائية، أوائل أكتوبر الحالي تصاعد حدة الإشتباكات في محيط الشيخ مقصود، والأشرفية في حلب وحصار متبادل بين قوات الجيش الإنتقالي وقوات “قسد”.
درعا وجبلة: بقايا نظام الأسد السابقة تقوم بعمل كمائن وعمليات اغتيال محدودة، سعياَ منها لاستعادة النفوذ المحلي مرة أخرى، ومواجهات متفرقة بين بقايا نظام الأسد وقوات النظام الجديد منذ مارس/ إبريل من العام الجاري.
كل هذا مع وجود خطر التظيمات الجهادية المتمثل في خلايا صغيرة لـ”داعش” تفرض استنزافاً أمنياَ ومجهودات ملاحقة مستمرة.
الأثر الإنساني والإقتصادي المترتبين على كل ما سبق
خسائر بشرية محلية مئات القتلى في عدد من المناطق الملتهبة مثل السويداء، نزوح داخلي متكرر، مع تعطل لحركة التجارة المحلية والزراعة.
انهيار تام في الخدمات الأساسية وانقطاع تام للكهرباء في بعض المناطق، وتضخم محلي في الأسعار، ارتفاع فى معدلات الفقر والبطالة داخل السبع محافظات الأكثر تأججاً بالأحداث.
كما أن غياب التمويل الدولي وعدم استقراره بسبب القضايا القانونية والسياسية، أثقل من إعادة الإعمار الذي بدوره يحتاج إلى مئات المليارات الدولارية.
السيناريو السوري المتوقع
الاحتمالية الأولى لتهدئة مشروطة، مع استقرار هش، قد تتمثل في هدنة محلية متعددة المستويات في السويداء والشمال، مع تبادل الصلاحيات بين الشيوخ المحليين ودعم إقليمي محدود لإعادة الإعمار المبدئي.
يحمل هذا الحل في طياته استمرار الخلافات البنيوية من دون حل، ومع أي رفض محلي قد يعيد سرعة التوتر مرة أخرى الى المنطقة.
ثانيهم: تكرار التصعيد المحلي والذي قد يعكس الانتقال بشكل عنيف، ملامح إشتباكات متفرقة في درعا وحلب والسويداء، تتصاعد حدة التوتر مرة أخرى بعد عملية اغتيال، أو حادث ثأري، دعوات محلية لسحب التعاطي مع المركز.
مخاطرة موجات نزوح واسعة، وتعطل أكبر لعملية إعادة الإعمار، وتوسع لأعمال التمرد.
ثالثهم: تقسيم سوريا داخلياً إلى دويلات صغيرة، تُشكل أقاليم حكم ذاتي لنفسها على وجه المثال “منطقة كردية ومنطقة درزية” كل منهم له حكومته ورئيسه.
الأوضاع في الجانب اليمني لم تكن هي الأحسن على وجه الإطلاق من نظيرتها سوريا، فالمشهد اليمني يزداد إلى الأسوء هذا العام.
المشهد اليمني على الأرض
في الشمال: سيطرة حوثية فعلية، في الجنوب والشرق: حكومة معترف بها دولياً ومجالس محلية تتمثل “المجلس الإنتقالي الجنوبي” والتي تسيطر بدورها على بُنى تحتية وموانئ حيوية.
تصعيدات من تنظيمات جهادية وفصائل محلية تستفيد من الفراغ الأمني، وتيرة العنف لم تقتصر فقط على الأطراف السياسية.
أطراف النزاع داخلياً
الحوثيون: تدير مؤسسات هامة في صنعاء ومناطق شمالية، توجه لها تهمة قمع المجتمع المدني واحتجاز موظفي الأمم المتحدة.
الحكومة المعترف بها دولياً: مع الوضع في الاعتبار أن هناك ادعاءات بكون سيطرتها هشة خارج عدن، حيث تعمل عبر تحالفات إقليمية لكنها تفتقر لقدرة إدارة الأمن الوطني الموحد.
المجلس الانتقالي الجنوبي: يحكم قبضته في الجنوب حيث يسيطر على موانئ ومناطق نفطية ويطرح خيار انفصال أو حكم ذاتي، ما قضى على وحدة الدولة المركزية فعلياُ.
تنظيم القاعدة يقبع في جزيرة العرب، مجاوراً له فصائل محلية: مهمتهم تنفيذ هجمات مفاجئة ضد قواعد الحكومة او المجلس الإنتقالي، مع الإستفادة التامة من الفراغ الأمني.
الصراع الداخلي في اليمن
القيام باحتجاز موظفين للإمم المتحدة من خلال إجراء حملات إعتقال وفرض القيود على عمل الإغاثة مما أدي إلى تعطيل برامج أساسية، وخفض توزيع الغذاء من أغسطس الماضي ممتدة إلى الشهر الجاري كما أن التهديدات الإرهابية في الجنوب والقيام بعمليات إنتحارية وتفجيرات في عدد من المناطق ضد قوات الأمن المحلية، حيث تكررت هذه الحوادث أكثر من مرة في الحادي والعشرون والثاني والعشرون من الشهر الجاري، مما أدى إلى مقتل العشرات من عناصر الشرطة المحلية والحكومة، مع تبادل الإتهامات مع تنظيم القاعدة.
اشتدت على الموانئ والممرات البحرية المنافسة بين جميع الأطراف لتحظى بها في النهاية الفصائل المسلحة ذات النفوذ السياسي، حيث تعتبر عامل حاسم في عملية التمويل كضمان لبقاء تواجدهم على الساحة اليمنية.
لكل ما سبق، كان له عظيم الأثر على المواطن اليمني حوالى 18 مليون شخص بحاجة للمساعدات، وفقاً لتقديرات منظمات الإغاثة، انعدام داخلي مستمر للغالبية، تفشي الأمراض والأوبئة الفتاكة في بعض المناطق المحاصرة أو المتروكة.
سيناريوات المشهد اليمني
أولهم: استمرار الإنقسام مع تزايد في التدهور الإنساني، سيطرة للحوثيون في الشمال، مع استمرار تواجد لحكومة المجلس الإنتقالي في الجنوب، حيث توجد اشتباكات متقطعة بين الطرفين، ما يخلق جوا إنسانيا متدهورا، والتركيز فقط على حل إدارة لأزمات وليس حل سياسي.
ثانيهم: تصعيدات مسلحة في عدد من المناطق كالشمال، الجنوب تتمثل في هجمات تنظيمية من الفصائل المسلحة المحلية وجماعات جهادية، يتبعها حملة عسكرية مضادة تؤدي إلى تصاعد دولي وإقليمي، لينتهي الأمر إلى تفكك أمني أكبر، مع تزايد اللجوء والنزوح وإغلاق ممرات بحرية.
ثالثهم: الدفع للتسوية بين الأطراف واللجوء الى التحكيم الدولي، ضغوطات خليجية ودولية تقود إلى محادثات جدية تحمل في داخلها مقايضات سياسية واقتصادية، من الممكن أن يترتب عليها حكم ذاتي موقت في الجنوب مقابل استعادة خدمات أساسية، فرصة للتخفيف من العنف. لكن شروط تنفيذ هذا السيناريو صعبة ويتطلب رقابة وموارد دولية كبيرة.
من كل الأحداث التي تمر بها كلا الدولتين فعلى صُناع القرار سواء المحليين أو المنظمات الإنسانية أو الإقليميين القيام بما يلي:
فتح ممرات إنسانية محمية من خلال اتفاقات لوجيستية مشتركة، مع أخذ ضمانات من الأطراف المحلية لتسهيل وصول الغذاء والدواء لإنقاذ ملايين الأرواح.
الضغط الدبلوماسي المستمر للتنسيق بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمجاورين الإقليميين، مثل تركيا وإيران والسعودية والإمارات، لتقليل الإسناد العسكري للفاعلين المحليين كشرط للتفاوض.
إقامة جسر تمويل رقابي إقليمي لإعادة الإعمار، مخصص فقط لتحسين الخدمات مع وضع رقابة دولية شفافة.
حماية أفراد اطقم المنظمات الإنسانية والإغاثية، وفرض عقوبات ضد أي جهة تحتجز موظفين للإغاثة مع وضع إجراءت صارمة لعودتهم في أقرب فرصة وإستئناف عملهم.
في النهاية، تشكل التوترات الداخلية بسوريا واليمن تهديداً دائما للإستقرار في المنطقة على المستوى الدولي والإنساني، فالحلول ليست عسكرية بجميع الأوقات، بل سياسية وإجتماعية وإقتصادية.
فما يميز هذا القرن عن سابقه أن أي حل يمتد لفترة طويلة يجب أن ينبع من الصراحة الداخلية، ووضع إطار دولي وإقليمي يقدم كافة الضمانات لإعادة الإعمار، والإ فإن دورة العنف ستستمر وتتفاقم.