
الصومال: تفاصيل الهجوم على سجن “غودكا جيلاكو” في مقديشو
كتب أحمد سمير
شهدت العاصمة الصومالية مقديشو، السبت الماضي هجوماً مسلحاً جريئاً، قد شنته حركة “الشباب الإرهابية “الموالية لتنظيم القاعدة على سجن” غودكا جيلاكو”، أحد أكثر المرافق الأمنية تحصيناً في البلاد .
بدأ الهجوم بتفجير ضخم تبعته عملية اقتحام مسلحة دامية، كشف عن ثغرات أمنية غير مسبوقة وأعاد إلى الأذهان موجة الفوضي التي عاشتها البلاد خلال العقد الماضي، رغم ما أعلنت عنه الحكومة من نجاحات ميدانية ضد الجماعات الإرهابية.
من الإنفجار إلى السيطرة
المرحلة الأولى
في السادسة من مساء السبت الماضي على وجه التقريب شهدت المنطقة المحيطة بالسجن الواقع في حي ” bondhere “، بالقرب من القصر الرئاسي إنفجاراً قوياً ناجماً عن سيارة مفخخة، قد تبين لاحقاً أنها مقدمة الهجوم لتفجير البوابة الرئيسية للسجن وتسهيل عملية الإقتحام، مع إرتفاع أعمدة الدخان وغطى الغبار سماء العاصمة في حين سُمع دوي إطلاق نار متواصل لأكثر من ساعة.
المرحلة الثانية
وفقاً لتقارير أمنية أن المجموعة المهاجمة قد دخلت باستخدام مركبة مموهة بألوان سيارات وكالة الإستخبارات “nisa”، وكان عناصرها يرتدون زياً مشابهاً للقوات الرسمية مما مكنهم من تجاوز ثلاث نقاط تفتيش من دون تدقيق يُذكر.
هذا التموية العسكري اعتبره البعض من المحللين بكونه سابقة خطيرة تظهر من خلالها اختراقاً واضحاً لمنظومة المراقبة الداخلية، أو احتمالية وجود تواطوء من داخل الأجهزة الأمنية.
المرحلة الثالثة
اندلعت إشتباكات عنيفة بين المهاجمين وقوات الأمن داخل محيط السجن استخدم فيها الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية، حاول المهاجمين اقتحام الزنازين لتحرير محتجزين يُعتقد أنهم عناصر من التنظيم، استمرت المعركة قبالة ست ساعات كاملة قبل إعلان القوات الخاصة إستعادة السيطرة الكاملة على السجن والقضاء على المهاجمين السبعة.
الخسائر الأولية
مقتل جميع منفذي الهجوم، إصابة 25 شخص بينهم مدنيون، وأفراد من الأمن تدمير جزئي في الواجهة الأمامية للسجن وعدة مركبات حكومية، لم يتم تسجيل أي عملية فرار بين السجناء وفق البيان الصادر لوزارة الإعلام الصومالية.
لماذا وقع الإختيار على سجن “غودكا جيلاكو”؟
يُعد سجن “غودكا جيلاكو” من أكثر السجون سرية وشدة في الصومال، كما يتم استخدامه في احتجاز عناصر التنظيمات الإرهابية، والمشتبه بهم في جرائم أمن الدولة.
حيث يخضع هذا السجن لإشراف مباشر من وكالة الاستخبارات الوطنية، وتعتبر المنطقة المحيطة به من أعلى مناطق مقديشو تحصيناً أمنياً، إذ تقع على بعد أقل من كيلوميترين من القصر الرئاسي ومقر وزارة الدفاع.
الهجوم على هذا السجن تحديداً ليس مجرد إعتداء على منشأة احتجاز بل رسالة صريحة إلى الحكومة، تفيد بأن الخصم ما زال داخل الأسوار.
ماذا عن ردود الفعل فى الداخل الصومالي؟
أعلنت الحكومة الصومالية في بيان عاجل لها “أن التحقيقات جارية لتحديد مكان الخلل والمسؤولين عن اختراق نقاط التفتيش، مؤكدة أنها لن تتهاون مع أي إهمال أو تواطوء” .
كمان أعلن وزير الأمن الداخلي الصومالي في تصريح لاحق “أن قوات الأمن الداخلي قد واجهت الإرهابيين بشجاعة ومنعت كارثة كبرى، مقراً بضرورة مراجعة الإجراءت الأمنية في العاصمة بشكل عاجل”.
كما أدانت بعثة الاتحاد الإفريقي “أتميس” هذا الهجوم معتبره إياه “دليلاً على خطورة المرحلة الأمنية الحالية”، فيما أعلنت الأمم المتحدة استمرار دعمها لبرامج التدريب والاستخبارات في الصومال.
هذا وقد أصدرت الولايات المتحدة الأميركية بيانا حذرت فيه من أن حركة الشباب لا زالت تشكل تهديداً إقليمياً خطيراً يجب مواجهته بتنسيق دولي صارم.
الهجوم على السجن ذات أبعاد سياسية
يرى خبراء أن توقيت العملية لم يكن عشوائياً، بل جاء بعد ساعات من قرار الحكومة بإزالة بعض الحواجز الأمنية القديمة التي كانت تحيط بالمؤسسات السيادية، بعض المحللين يعتقدوا أن الحركة قد استغلت “عملية الإرتخاء الأمني“ لتوجية مثل هذه الضربات، والتي تهد إلى إفقاد الثقة فى الأجهزة الأمنية.
ويرى آخرون أن العملية حملت دلالات سياسية داخلية في ظل تصاعد الخلافات بين الأجهزة الأمنية المختلفة، حول الصلاحيات الممنوحة الأمر الذي أضعف التنيسيق بين بعضهم البعض وفتح المجال للاختراقات.
كما حذر مراقبون من أن فشل النظام الأمني في منع هجوم بهذا الحجم داخل العاصمة قد يشجع التنظيم على توسيع نطاق هجماته إلى مناطق أخرى أكثر حيوية، ربما المطارات الدولية أو المقرات الوزارية.
تحليل للموقف الأمني
تنظيم الشباب في الوقت الراهن يعتمد في هجماته على تكتيكات هجينه بين التفجير الإنتحاري والاقتحام المسلحة، الأمر الذي يجعل من مواجهتهم من الأمور المعقدة، الملاحظ أيضاً أن التنظيم قد نقل هجماته من الريف إلى العاصمة بعد تضييق قوات الأمن الخناق على التنظيم، في مناطق الجنوب والوسط .
وقد أكد مراقبون أن هدف التنظيم من هذا الهجوم، هو إعادة فرض الحضور في المشهد الإعلامي والسياسي، ومحاولة للتنظيم لإثبات قدرته على تهديد العمق الأمني لمقديشو رغم الضربات الموجهة إليه.
هناك عدة سيناريوات محتملة بعد هذا الهجوم
1- إجراءت إمنية مشددة شاملة، قد تغيير الحكومة من فرض نقاط التفتيش القديمة، وتزيد من عملية الانتشار العسكري حول المنشآت الحساسة.
2- تصعيد متبادل مع تنظيم الشباب، رد التنظيم بهجمات إنتقامية ضد مواقع حكومية ذات طابع سياسي خاص، مع إحتمالية لسقوط العديد من الضحايا المدنيين واهتزاز ثقة الشعب في الحكومة.
3- تدخل استخباراتي دولي، إستدعاء الدعم الأميركي والأفريقي لتطوير نُظم المراقبة والرد السريع تحسين تدريجي في الأداء الأمني، مع تزايد النفوذ الخارجي في القرار الأمني.
4- إصلاح هيكلي طويل المدى، مراجعة تنظيم الأجهزة الأمنية وتفعيل الرقابة المدنية على القوات، بناء مؤسسات أكثر مهنية وثقة عامة متزايدة في الدولة.
5- تصعيدات سياسية في الداخل الصومالي، استغلال المعارضة للحادث لتوجيه إنتقادات للحكومة، الضغط السياسي من الممكن أن يؤدي إلى تغييرات وزارية أو تعديلات أمنية موسعة.
وفي نهاية الأمر هجوم تنظيم الشباب سجن “غودكا جيلاكو” لم يكن مجرد حادث إرهابي عابر، بل هو جرس إنذار لحكومة تخوض معركة مزدوجة ضد الإرهاب والإنقسامات الداخلية، الحادث أثبت أن التنظيم لا يزال يمتلك أدوات عديدة للقيام بأعمال هجومية أخرى، وأن العاصمة ما زالت في حاجة إلى منظومة أمنية متماسكة تتجاوز رد الفعل، وما بين الحزم الأمني والحلول السياسية والاجتماعية يبقى التحدي الأكبر هو إعادة بناء ثقة المواطن في قدرة الدولة على حمايته، وإثبات أن مقديشو يمكن أن تنهض من جديد من دون أن يظل الخوف “سيد الموقف“.