
خبير يكشف لـ“العالمية نيوز” خفايا خطوط “حماس” ونتنياهو الحمراء في اتفاق ترامب بشان غزة
هدنة أم مناورة؟
إعداد: أسامة النساج
تساؤلات كثيرة يتم طرحها فيما يتعلق بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، خاصة بعد موافقة حماس على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما يتعلق بوقف الحرب، وإطلاق سراح الأسرى، وما يتبع ذلك من إدخال المساعدات، وترتيبات أمنية تتم في القطاع، وفي هذا الإطار، أجرى موقع “العالمية نيوز” حوار مع الد كتور محمد وازن، خبير الشؤون الإسرائيلية، ليكشف خلاله، عن الكثير من التوقعات، ويجيب عن الكثير من الأسئلة، وإليك نصر الحوار.
ماذا يعني إعلان حركة حماس موافقتها على خطة ترامب بشأن غزة؟
إعلان حركة حماس موافقتها على خطة ترامب فتح الباب أمام مرحلة تفاوضية جديدة، عنوانها الأساسي اختبار الإرادة السياسية للطرفين أكثر من كونه اتفاقًا نهائيًا، فالمناخ الراهن يشير إلى أن ما يجري ليس مفاوضات لإنهاء الحرب بقدر ما هو إدارة دقيقة للوقت والضغوط، حيث يسعى كل طرف لتثبيت مكسب سياسي من دون أن يظهر بمظهر المتنازل.
وحماس دخلت المفاوضات من موقع الممسك بورقة الوقت، فبعد عام كامل من العمليات العسكرية دون حسم إسرائيلي، بات لديها ما تعتبره “رصيد الصمود”، وهي تحاول ترجمته سياسيًا.
ماذا تريد حركة حماس من وقف إطلاق النار؟وماذا عن الخطوط الحمراء؟
تريد الحركة من أي اتفاق أن يضمن وقفًا حقيقيًا لإطلاق النار بضمانات دولية، لا مجرد تهدئة لفظية أو خفض ميداني للنيران، لذلك فإن أول خطوطها الحمراء هو تثبيت هدنة فعلية طويلة الأمد تمنع إسرائيل من استئناف القتال تحت ذرائع أمنية.
يتمثل الخط الأحمر الثاني في الانسحاب الإسرائيلي الملموس من المناطق المأهولة داخل قطاع غزة، فبالنسبة الى حماس، بقاء القوات الإسرائيلية داخل مناطق تماس يعني أن الاحتلال مستمر بشكل آخر، وبالتالي فهي لن تقبل بأي صيغة لا تتضمن إعادة انتشار واضحة ومحددة جغرافيًا، إلى جانب ذلك، تصر الحركة على أن تكون صفقة الأسرى شاملة وتشمل أصحاب الأحكام العالية، لأنها ترى في ذلك عنصرًا معنويًا يعوّض الخسائر الميدانية.
ماذا عن خطوط نتنياهو الحمراء؟
كما تضع الحركة شرطًا واضحًا بتسهيل دخول المساعدات ومواد الإغاثة والإعمار دون رقابة مفرطة أو قيود إسرائيلية قد تفقدها قيمتها، في المقابل، يدخل بنيامين نتنياهو المفاوضات وهو محاصر سياسيًا من جميع الاتجاهات، فاليمين الديني والقومي في حكومته يرفض أي اتفاق لا يتضمن “القضاء الكامل على حماس”، بينما الشارع الإسرائيلي المنهك من الحرب وعائلات الرهائن تطالبه بإنهاء الأزمة بأي ثمن.
أول خطوط نتنياهو الحمراء هو منع ظهور الاتفاق كأنه انتصار لحماس، فرئيس الوزراء الإسرائيلي سيحاول تقديم أي تفاهم في الداخل على أنه “إنجاز أمني” تحقق بفعل الضغط العسكري وليس نتيجة وساطة أو تنازل سياسي.
أما بالنسبة الى الخط الأحمر الثاني بالنسبة لنتنياهو هو الحفاظ على حرية العمل العسكري المحدودة داخل القطاع، سواء عبر المراقبة الجوية أو العمليات الاستباقية إذا اعتُبر أن هناك خرقًا للاتفاق، وهو يرفض تمامًا أي نص يلزمه بانسحاب كامل دون ضمانات أمنية واضحة.
النقطة الثالثة، هي رفض أي إطلاق شامل للأسرى الفلسطينيين من دون تتابع مشروط بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، حتى يظل في يده مفتاح التحكم بالصفقة، وبالطبع، فإن نتنياهو لن يقبل بأي اعتراف سياسي مباشر ببقاء حماس في السلطة داخل غزة، ويفضّل إحاطة الاتفاق بآلية دولية أو إدارة انتقالية برعاية أميركية ومصرية لتفادي هذا المأزق.
ما دوافع الطرفين للدخول للمفاوضات؟
يدخل الطرفان المفاوضات تحت ضغط وليس من موقع المنتصر، فحماس تسعى إلى وقف الحرب مع الاحتفاظ بوجودها السياسي والعسكري، ونتنياهو يسعى إلى إنقاذ حكومته من الانقسام والانهيار، أما الولايات المتحدة، فتدفع بقوة لإنجاز اتفاق سريع يقدَّم للرأي العام الدولي كنموذج لـ “إنهاء الحرب بصفقة إنسانية وسياسية” قبل أن تفقد إدارة ترامب زخمها.
ستتوقف والنتيجة النهائية على قدرة الوسطاء، وخصوصًا مصر، على إيجاد صيغة وسط تحفظ لكل طرف جزءًا من صورته أمام الداخل. فإذا نجحت القاهرة وواشنطن في فرض معادلة “الهدنة مقابل الرهائن”، يمكن الانتقال لاحقًا إلى ترتيبات أمنية أوسع، أما إذا فشلت المفاوضات في مرحلتها الأولى، فسيكون المشهد مفتوحًا على احتمالين: إما العودة التدريجية للمواجهة، أو استمرار وضع “اللاحرب واللاسلم” داخل غزة في صورة استنزاف متبادل بلا نهاية واضحة.
هل يمكن أن يعود نتنياهو للحرب بعد استلام الرهائن؟
من الناحية السياسية والعسكرية، عودة نتنياهو للحرب بعد استلام الرهائن ليست احتمالًا مستبعدًا، لكنها ستكون رهانًا محفوفًا بالمخاطر، فالرجل اعتاد في كل محطات مسيرته السياسية أن يستخدم “الأزمة” كوسيلة للبقاء، لذلك سيبقي باب الحرب مفتوحًا دائمًا كورقة ضغط وتهديد، حتى لو لم يكن مستعدًا لاستخدامها فعليًا في المدى القريب.
في حساباته، الحرب هي الأداة الوحيدة التي تمنحه صورة “القائد الأمني القوي”، خصوصًا بعد تراجع شعبيته وفقدان الثقة داخل الائتلاف، فبعد استلام الرهائن، من المرجح أن يحاول تسويق الاتفاق داخليًا على أنه “إنجاز بفضل الضغط العسكري”، ثم يُلمّح إلى أن المرحلة التالية ستشهد “استكمال القضاء على حماس”، في محاولة لاسترضاء اليمين المتطرف الغاضب منه.
بمعنى آخر، سيحاول توظيف لغة الحرب دون أن يخوضها مباشرة، لكن فعليًا، العودة الشاملة إلى الحرب ستواجه قيودًا كبيرة، أولها أن الجيش الإسرائيلي نفسه مستنزف ماديًا وبشريًا بعد عام من العمليات الثقيلة، وهناك رفض واسع في المؤسسة العسكرية لفكرة إعادة فتح الجبهة بعد أن أُغلقت سياسياً عبر اتفاق ترعاه واشنطن ومصر.
هل تسمح إدارة ترامب بعودة نتنياهو للحرب بعد استلام الرهائن؟
إن الولايات المتحدة لن تسمح بذلك في المدى القريب، لأن إدارة ترامب تعتبر الهدنة والصفقة عنصرًا من عناصر نجاحها السياسي الإقليمي، وأي خرق جديد سيُنظر إليه كتمرد مباشر على الخط الأمريكي، ما يعني عزلة دبلوماسية خطيرة لإسرائيل.
فالعامل الداخلي الإسرائيلي يشكل قيدًا حاسمًا، فالرأي العام الإسرائيلي لم يعد متحمسًا لاستمرار الحرب بعد فشل الحسم وارتفاع الخسائر، وأي محاولة لاستئناف القتال بعد عودة الرهائن ستُفسَّر كخطوة انتهازية تهدف لإنقاذ نتنياهو سياسيًا، لا لحماية الأمن القومي.
ماذا عن عائلات الرهائن؟
عائلات الرهائن نفسها، التي شكّلت ضغطًا لصالح الهدنة، ستتحول في هذه الحالة إلى قوة احتجاج مضادة، ومعها المعارضة التي ستتهم نتنياهو بالتلاعب بدماء الجنود لتحقيق مكاسب حزبية، ومع ذلك، يبقى نتنياهو سياسيًا بارعًا في “إدارة الرماد”، أي خلق شعور دائم بأن الحرب ممكنة غدًا، دون أن يعلنها فعلاً.
ومن المرجح أن يلجأ إلى عمليات محدودة جدًا داخل القطاع، كضربات جوية أو اغتيالات انتقائية، ليظهر بمظهر “الحازم”، مع الحفاظ على الخطوط العامة للتهدئة حتى لا يخسر الغطاء الأمريكي، هذه “الحرب الباردة الميدانية” تمنحه وقتًا لإعادة ترتيب المشهد الداخلي ومحاولة النجاة بحكومته.
ماذا عن احتمالات العودة الكاملة إلى الحرب؟
احتمال العودة الكاملة إلى الحرب ضعيف في المدى القصير، لكنه سيظل قائمًا كورقة سياسية يستخدمها نتنياهو عند الحاجة، سواء لامتصاص ضغط داخلي أو لإعادة توجيه الرأي العام، الرجل يدرك أن إسرائيل الآن لا تتحمل حربًا أخرى، لكنه أيضًا لا يعرف كيف يعيش من دون التلويح بها.